فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ}.
انتقل من خبر نوح إلى خبر إبراهيم لمناسبة إنجاء إبراهيم من النار كإنجاء نوح من الماء.
وفيه تنبيه إلى عظم القدرة إذ أنجت من الماء ومن النار.
و{إبراهيم} عطف على {نوحًا} [العنكبوت: 14]. والتقدير: وأرسلنا إبراهيم.
و{إذ} ظرف متعلق ب {أرسلنا} المقدَّر، أي في وقت قوله لقومه {اعبدوا الله} الخ وهو أول زمن دعوته.
واقتضى قوله: {اعبدوا الله} أنهم لم يكونوا عابدين لله أصلًا.
وجملة {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} تعليل للأمر بعبادة الله.
وقد أجمل الخبر في هذه الجملة وفُصل بقوله: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا} الآية.
ومعنى {إن كنتم تعلمون} إن كنتم تعلمون أدلة اختصاص الله بالإلهية فمفعول العلم محذوف لدلالة ما قبله عليه.
ويجوز جعل فعل {تعلمون} منزلًا منزلة اللازم، أي إن كنتم أهل علم ونظر.
وجملة {إنما تعبدون من دون الله أوثانًا} تعليل لجملة {اعبدوا الله}.
وقَصْرُهم على عبادة الأوثان يجوز أن يكون قصرًا على عبادتهم الأوثان، أي دون أن يعبدوا الله فهو قصر حقيقي إذ كان قوم إبراهيم لا يعبدون الله فالقصر منصب على قوله: {من دون الله} أي إنما تعبدون غير الله وبذلك يكون {من دون الله} حالًا من {أوثانًا} أي حال كونها معبودة من دون الله، وهذا مقابل قوله: {اعبدوا الله} دون أن يقول لهم: لا تعبدوا إلا الله؛ لكن قوم إبراهيم قد وصفوا بالشرك في قوله تعالى في سورة [الأنعام: 78] {قال يا قوم إني بريء مما تشركون} فهم مثل مشركي العرب، فالقصر منصب على عبادتهم الموصوفة بالوثنية، أي ما تعبدون إلا صُورًا لا إدراك لها، فيكون قصر قلب لإبطال اعتقادهم إلهية تلك الصور كما قال تعالى: {قال أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95].
وعلى كلا الوجهين يتخرج معنى قوله: {من دون الله} فإن {دون} يجوز أن تكون بمعنى غير فتكون {من} زائدة، والمعنى: تعبدون أوثانًا غير الله.
ويجوز أن تكون كلمة {دون} اسمًا للمكان المباعد فهي إذن مستعارة لمعنى المخالفة فتكون {من} ابتدائية، والمعنى: تعبدون أوثانًا موصوفة بأنها مخالفة لصفات الله.
والأوثان: جمع وثن بفتحتين، وهو صورة من حجر أو خشب مجسمة على صورة إنسان أو حيوان.
والوثن أخص من الصنم لأن الصنم يطلق على حجارة غير مصورة مثل أكثر أصنام العرب كصنم ذي الخلصة لخثعم، وكانت أصنام قوم إبراهيم صورًا قال تعالى: {قال أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95].
وتقدم وصف أصنامهم في سورة الأنبياء.
و{تخلُقون} مضارع خلق الخبر، أي اختلقه، أي كذبه ووضعه، أي وتضعون لها أخبارًا ومناقب وأعمالا مكذوبة موهومة.
والإفك: الكذب.
وتقدم في قوله: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} في سورة [النور: 11].
وجملة {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقًا} إن كان قوم إبراهيم يعترفون لله تعالى بالإلهية والخلق والرزق ولكنهم يجعلون له شركاء في العبادة ليكونوا لهم شفعاء كحال مشركي العرب تكون الجملة تعليلًا لجملة {اعبدوا الله واتقوه} أي هو المستحق للعبادة التي هي شكر على نعمه، وإن كان قومه لا يثبتون إلهية لغير أصنامهم كانت جملة {إن الذين تعبدون من دون الله} مستأنفة ابتدائية إبطالًا لاعتقادهم أن آلهتهم ترزقهم، ويرجح هذا الاحتمال التفريعُ في قوله: {فابتغوا عند الله الرزق}.
وقد تقدم في سورة الشعراء التردد في حال إشراك قوم إبراهيم وكذلك في سورة الأنبياء.
وتنكير {رِزقًا} في سياق النفي يدل على عموم نفي قدرة أصنامهم على كل رزق ولو قليلًا.
وتفريع الأمر بابتغاء الرزق من الله إبطال لظنهم الرزق من أصنامهم أو تذكير بأن الرازق هو الله، فابتغاء الرزق منه يقتضي تخصيصه بالعبادة كما دل عليه عطف {واعبدوه واشكروا له}.
وقد سلك إبراهيم مسلك الاستدلال بالنعم الحسية لأن إثباتها أقرب إلى أذهان العموم.
و{عند} ظرف مكان وهو مجاز.
شبّه طلب الرزق من الله بالبحث عن شيء في مكان يختص به فاستعير له {عند} الدالة على المكان المختص بما يضاف إليه الظرف.
وعُدّي الشكر باللام جريًا على أكثر استعماله في كلام العرب لقصد إفادة ما في اللام من معنى الاختصاص أي الاستحقاق.
ولام التعريف في {الرزق} لام الجنس المفيدة للاستغراق بمعونة المقام، أي فاطلبوا كل رزق قلّ أو كثر من الله دون غيره.
والمعرّف بلام الجنس في قوة النكرة فكأنه قيل: فابتغوا عند الله رزقًا، ولذلك لم تكن إعادة لفظ الرزق بالتعريف مقتضية كونه غير الأول، فلا تنطبق هنا قاعدة النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى.
وجملة {إليه ترجعون} تعليل للأمر بعبادته وشكره، أي لأنه الذي يجازي على ذلك ثوابًا وعلى ضده عقابًا إذ إلى الله لا إلى غيره مرجعكم بعد الموت.
وفي هذا إدماج تعليل بالعبادة بإثبات البعث.
{وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)}.
يجوز أن تكون هذه الجملة من بقية مقالة إبراهيم عليه السلام بأن يكون رأى منهم مخائل التكذيب ففرض وقوعه، أو يكون سبق تكذيبهم إياه مقالته هذه، فيكون الغرض من هذه الجملة لازم الخبر وهو أن تكذيبهم إياه ليس بعجيب فلا يضيره ولا يحسبوا أنهم يضيرونه به ويتشفون منه فإن ذلك قد انتاب الرسل قبله من أممهم، ولذلك أجمع القراء على قراءة فعل {تكذّبوا} بتاء الخطاب ولم يختلفوا فيه اختلافهم في قراءة قوله: {أو لم يروا كيف يُبدىء الله الخلق} [العنكبوت: 19]. إلخ.
ويجوز أن تكون الجملة معترضة والواو اعتراضية واعترض هذا الكلام بين كلام إبراهيم وجواب قومه، فهو كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المشركين التفت به من الغيبة إلى الخطاب تسجيلًا عليهم، والمقصود منه بيان فائدة سوق قصة نوح وإبراهيم وأن للرسول صلى الله عليه وسلم إسوة برسل الأمم الذين قبله وخاصة إبراهيم جدّ العرب المقصودين بالخطاب على هذا الوجه.
وجملة {وما على الرسول إلا البلاغ المبين} إعلام للمخاطبين بأن تكذيبهم لا يلحقه منه ما فيه تشف منه؛ فإن كان من كلام إبراهيم فالمراد بالرسول إبراهيم سلك مسلك الإظهار في مقام الإضمار لإيذان عنوان الرسول بأن واجبه إبلاغ ما أرسل به بيّنًا واضحًا، وإن كان من خطاب الله مشركي قريش فالمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقد غلب عليه هذا الوصف في القرآن مع الإيذان بأن عنوان الرسالة لا يقتضي إلا التبليغ الواضح. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ}.
الواو هنا لعطف الجمل، فالآية- معطوفة على {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} [العنكبوت: 14] إذن: فنوح وإبراهيم واقعتان مفعولًا به للفعل أرسلنا، وللسائل أنْ يسأل: لماذا لم تُنوَّن إبراهيم كما نُوِّنت نوح؟ لم تُنوَّن كلمة إبراهيم؛ لأنها اسم ممنوع من الصرف- أي من التنوين- لأنه اسم أعجمي.
ونلحظ في هذه المسألة أن جميع أسماء الأنبياء أسماء أعجمية تُمنع من الصرف، ما عدا الأسماء التي تبدأ بهذه الحروف: صن شمله وهي على الترتيب: صالح، نوح، شعيب، محمد، لوط، هود. فهذه الأسماء مصروفة مُنوَّنة، عليهم جميعًا الصلاة والسلام.
والمعنى: {وَإِبْرَاهِيمَ} [العنكبوت: 16] يعني: واذكر إبراهيم {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعبدوا الله واتقوه} [العنكبوت: 16] وقلنا: العبادة أنْ يطيع العابدُ المعبودَ في أوامره ونواهيه، إذن: لو جاء مَنْ يدَّعي الألوهية، وليس له أمر نؤديه، أو نهي نمتنع عنه فلا يصلح إلهًا.
لذلك كذب الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} [الزمر: 3] لأنهم ما عبدوا الأصنام إلا لأنها ليست لها أوامر ولا نواه، فألوهيتهم منظرية بلا تكليف، فأول الأدلة على بطلان عبادة هذه الآلهة المدَّعاة أنها آلهة بلا منهج.
ثم عطف الأمر {واتقوه} [العنكبوت: 16] على {اعبدوا} [العنكبوت: 16] والتقوى من معانيها أنْ تطيع الأوامر، وتجتنب النواهي، فهي مرادفة للعبادة، لكن إنْ عطفت على العبادة فتعني: نفِّذوا الأمر لتتقوا غضب الله، اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال وقاية.
وسبق أنْ قلنا: إن لله تعالى صفات جلال: كالقهار، الجبار، المنتقم، المذلّ. إلخ. وصفات جمال: كالغفار، الرحمن، الرحيم، التواب، وبالتقوى تنال متعلقات صفات الجمال، وتمنع نفسك وتحميها من متعلقات صفات الجلال.
وقوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 16] ذلكم، أي ما تقدَّم من الأمر بالعبادة والتقوى خير لكم، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلا خيرَ في علمكم، كما قال تعالى: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحياة الدنيا} [الروم: 6-7].
فالعلم الحقيقي هو العلم بقضايا الآخرة، العلم بالأحكام وبالمنهج الذي يعطيك الخير الحقيقي طويل الأمد على خلاف علم الدنيا فإنْ نلتَ منه خيرًا، فهو خير موقوت بعمرك فيها.
وسبق أنْ قُلْنا: إن العلم هو إدراك قضية كونية تستطيع أن تدلل عليها، وهذا يشمل كل معلومة في الحياة. أي: العلم المادي التجريبي وآثار هذا العلم في الدنيا، أما العلم السامي الأعلى فأنْ تعلم المراد من الله لك، وهذا للآخرة.
واقرأ في ذلك مثلًا قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ}.
[فاطر: 27-28].
فذكر سبحانه علم النبات والجماد و{وَمِنَ الناس} [فاطر: 28] أي: علم الإنسانيات {والدوآب} [فاطر: 28] علم الحيوان، وهكذا جمع كل الأنواع والأجناس، ثم قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] مع أنه سبحانه لم يذكر هنا أيَّ حكم شرعي.
إذن: المراد هنا العلماء الذين يستنبطون قضية يقينية في الوجود، كهذه الاكتشافات التي تخدم حركة الحياة، وتدلُّ الناس على قدرة الله، وبديع صُنْعه تعالى، وتُذكِّرهم به سبحانه.
وتأمل في نفسك مثلًا وَضْع القصبة الهوائية بجوار البلعوم، وكيف أنك لو شرقت بنصف حبة أرز لا تستريح إلا بإخراجها، وتأمل، وَضْع اللهاة وكيف تعمل تلقائيًا دون قَصْد منك أو تحكم فيها.
تأمل الأهداب في القصبة الهوائية، وكيف أنها تتحرك لأعلى تُخرج ما يدخل من الطعام لو اختلَّ توازن اللهاة، فلم تُحكِم سدَّ القصبة الهوائية أثناءَ البلع.
تأمل حين تكون جالسًا مطمئنًا لا يقلقك شيء، ثم في لحظة تجد نفسك محتاجًا لدورة المياه، ماذا حدث؟ ذلك لأن في مجرى الأمعاء ما يشبه السقاطة التي تُخرج الفضلات بقدر، فإذا زادتْ عما يمكن لك تحمله، فلابد من قضاء الحاجة والتخلص من هذه الفضلات الزائدة.
تأمل الأنف وما فيه من شعيرات في مدخل الهواء ومُخَاط بالداخل، وأنها جُعلت هكذا لحكمة، فالشعيرات تحجز ما يعلَق بالهواء من الغبار، ثم يلتقط المخاط الغبارَ الدقيق الذي لا يعلق بالشعيرات ليدخل الهواء الرئتين نقيًا صافيًا، تأمل الأذن من الخارج وما فيها من تعاريج مختلفة الاتجاهات، لتصدَّ الهواء، وتمنعه من مواجهة فتحة الأذن.
والآيات في جسم الإنسان كثيرة وفوق الحَصْر، ولا سبيلَ إلى معرفتها إلا باستنباط العلماء لها، وكشفهم عنها، وهذا من نشاطات الذهن البشري، أما العلم الذي يخرج عن نطاق الذِّهْن البشري فهو نازل من أعلى، وهو قانون الصيانة الذي جعله الخالق سبحانه لحماية الخَلْق، فالذي يأخذ بالعلم الدنيوي التجريبي فقط يُحرَم من الخير الباقي؛ لأن قصارى ما يعطيك علم المادة في البشر أنْ يُرفه حياتك المادية، أمّا علم الآخرة فيُرفِّه حياتك الدنيا ويبقى لك في الآخرة.
إذن: فقوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} [العنكبوت: 16] أي: قانون الصيانة الرباني بافعل كذا ولا تفعل كذا، وإياك أنْ تنقل مدلول افعل في لا تفعل أو مدلول لا تفعل في افعل، وقد شبَّهنا هذا القانون بالكتالوج الذي يجعله الصانع لحماية الصنعة المادية لتؤدي مهمتها على أكمل وجه، كذلك منهج الله بالنسبة للخَلْق، فإنْ لم تعلموا هذه القضية فلن ينفعكم علم بعد ذلك.
يقول سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20] إذن: فالخير الباقي هو الخير في الآخرة.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَانًا}.
قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ} [العنكبوت: 17] أي: على حَدِّ زعمهم، وعلى حَدِّ قولهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} [الزمر: 3] ، وإلا فلا عبادة لهذه الآلهة، حيث لا أمر عندهم ولا نهي ولا منهج، فعبادتهم إذن باطلة.
وهم يعبدون الأوثان من دون الله فإنْ ضُيِّق عليهم الخِنَاق قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} [الزمر: 3] فهم بذلك مشركون، ومن لم يَقُلْ بهذا القول فهو كافر.
والوثن: ما نُصِب للتقديس من حجر، أيًا كان نوعه: حجر جيري، أو جرانيت، أو مرمر. أو كان من معدن: ذهب أو فضة أو نحاس. إلخ أو من خشب، وقد كان البعض منهم يصنعه من العجوة، فإنْ جاع أكله، وقد حَكَى هذا على سبيل التعجُّب سيدنا عمر رضي الله عنه.
وبأيِّ عقل أو منطق أنْ تذهب إلى الجبل وتستحسن منه حجرًا فتنحته على صورة معينة، ثم تتخذه إلهًا تعبده من دون الله، وهو صَنْعة يدك، وإنْ أطاحتْ به الريح أقمتَه، وإنْ كسرته رُحْت تُصلح ما تكسَّر منه وتُرمِّمه، فأيُّ عقل يمكن أن يقبل هذا العمل؟
لذلك يخاطبهم القرآن: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] وكلما تقدَّم العالم تلاشتْ منه هذه الظاهرة؛ لأنها مسألة لم تَعُدْ تناسب العقل بأية حال.